موسيقى الجاز و كناوة : حوار إفريقي عابر للقارات
تطرق تاريخ الموسيقى بأنامل سحرية، فتولدت أنماط وألوان مختلفة، حملت كل منها بصمة ثقافية فريدة. من بين هذه الأنماط المميزة، نجد موسيقى الجاز التي امتزجت بالعديد من الثقافات الموسيقية العالمية، لتشكل لغة عالمية تتجاوز حدود الزمان والمكان. و لم يكن اللقاء بين الجاز و الموسيقى المغربية العريقة وليد الصدفة، بل قصة عشق تمتد جذورها إلى ستينيات القرن الماضي.
في تلك الحقبة الذهبية، اكتشف عملاق الجاز، راندي ويستون، سحر موسيقى كناوة في المغرب. انغمس في دراستها وممارستها مع كبار المعلمين، ليبدأ فصل جديد في تاريخ الموسيقى. و لم يكن ويستون وحده من سحرته الإيقاعات المغربية، فالمغرب كان وجهة مفضلة لأساطير الموسيقى العالمية، مثل جيمي هندريكس وكات ستيفنز وبوب مارلي، الذين وجدوا في “الكمبري” و “الغانغا” و الطبول و “القراقب” إلهاما لا ينضب.
ما يجمع موسيقى كناوة و الجاز هو أكثر من مجرد إيقاعات، إنه حنين مشترك للحرية و الوطن. فكناوة في شمال إفريقيا تحمل في طياتها قصص الشوق إلى الحرية، تماما كما ولدت موسيقى “البلوز” و “الجاز” في أمريكا على يد الأفارقة المستعبدين، للتعبير عن معاناتهم و آمالهم.
الفنان المغربي مجيد بقاس، المدير الفني لمهرجان “جاز شالة”، يؤكد على الروابط العميقة بين النمطين الموسيقيين، قائلا : “على الرغم من تفرد كل منهما، إلا أن الجذور الإفريقية والتاريخ المشترك لتجارة الرقيق يشكلان رابطًا قويًا بينهما. و موسيقيا، نجد القواسم المشتركة في الإيقاع الثلاثي والمقامات الخماسية”.
و يضيف بقاس أن المزج بين الجاز و كناوة يتطلب إلماما عميقا بالفنين، مشيرا إلى أن المغرب رائد في هذا المجال. و يستعرض تجربته الخاصة التي تعتمد على قوة إيقاعات كناوة و تقنيات الجاز في “الهارمونيا”، مع توظيف آلات مثل “البيانو” و “الساكسفون” و “البالافون” و “الكورا” و “الكالمبا”.
و يشير بقاس إلى تطور موسيقى كناوة، قائلا : “كانت تمارس قديما في طقوس “الجدبة” الروحية، أما الآن فأصبحت فنا متكاملا، منفتحا على المهرجانات و الأنماط الموسيقية الأخرى”. و يستحضر تجربة راندي ويستون الذي كان سباقا في المزج بين النمطين، حين اكتشف كناوة في طنجة سنة 1967.
و يختم بقاس حديثه مؤكدا على أهمية اختيار طنجة للاحتفال باليوم العالمي لموسيقى الجاز، قائلا : “هذا تكريس للعمق التاريخي للمغرب في مجال التنوع الثقافي والفني، بما في ذلك موسيقى الجاز”.
اليوم العالمي لموسيقى الجاز، الذي أقرته اليونسكو و الأمم المتحدة، يجمع العالم في 30 أبريل من كل عام، للاحتفاء بهذه الموسيقى ودورها في تعزيز السلام والحوار بين الثقافات.
و يبقى الجاز و كناوة، نموذجا للتلاقح الثقافي و الفني، حاملا رسالة سلام و تعايش من إفريقيا إلى العالم.